على مدى ايام عديدة، بقي العالم اجمع يترقّب بقلق الرد الايراني على الضربة الاسرائيليّة التي استهدفت القنصلية الايرانية في سوريا منذ نحو اسبوعين، في ما تم اعتباره خرق كبير لقواعد الاشتباك والمواجهات التي سادت لسنوات بين الطرفين. وبعد جهد، تم تنفيذ الضربة باستعمال 170 طائرة مسيّرة، و30 صاروخ كروز، و110 صواريخ باليستية. ومع انقسام الآراء حول الفائز والخاسر في هذه الجولة، يجدر التوقف منطقياً عند نتائج هذه الضربة على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، والعسكري.
على الصعيد العسكري، لا شك ان الضربة بحد ذاتها كبيرة نظراً الى عدد الصواريخ والمسيّرات التي تم استعمالها في وقت واحد، ولكن عملياً يمكن الركون الى ما وصفه البيت الابيض بـ"فشل الرد الايراني"، فلم يتم تدمير اي مركز او مقر عسكري او دبلوماسي او اساسي اسرائيلي، فيما سقطت نسبة قدّرها الخبراء بنحو 95% من هذه الصواريخ والمسيّرات، قبل وصولها الى اهدافها على يد تحالف اميركي-اوروبي شارك فيه الاردن ايضاً. ومن الناحية العسكرية ايضاً، فقد فازت ايران بالنقاط فقط، بسبب الذعر الذي ساد لدى الاسرائيليين، كما انها المرة الاولى منذ حرب العام 1948 التي تستهدف دولة الاراضي الاسرائيلية بشكل مباشر وبهذا العدد الكبير من الاسلحة. ويرى البعض ان اسرائيل لا تزال فائزة في حصيلة المواجهات بين الاثنين، بسبب نجاح الضربات التي شنّت على الايرانيين من قبل الاسرائيليين في مختلف الدول المتحالفة مع ايران.
اما على الصعيد الدبلوماسي والسياسي، فيمكن القول ان اعلان رابح وخاسر صعب، فمن ناحية استفادت ايران من هذا الرد المعنوي لاثبات وجهة نظرها من ان الخطوط الحمراء التي كانت موضوعة في ما خص استهداف اسرائيل مباشرة، قد سقطت. ولكن طهران لعبت ورقتها بدقة كبيرة، ولا شك ان التنسيق كان قائماً مع الدول العربية المجاورة وربما الدول الغربية، والا لما كان من الممكن اسقاط كل هذا العدد من الصواريخ والمسيّرات قبل وصوله الى الاراضي الاسرائيلية، ويكفي النظر الى بعض الصواريخ التي تم اطلاقها من اليمن وسوريا ولبنان الى داخل الاراضي الاسرائيلية والفشل في صدّ معظمها. وبالتالي، فقد كسبت ايران تقديراً في نظر حلفائها لما قامت به.
على خط مواز، نجحت اسرائيل في كسب نقاط مهمة، فهي عادت الى الحضن الغربي بعد ان كادت تخرج منه، واصبح التنسيق مع الاميركيين اكثر سلاسة بعد الخلافات في السرّ والعلن بين الادارة الاميركية الحالية ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، حيث تعاطف العالم مع اسرائيل وها هو يتجهّز لفرض عقوبات على ايران، كما ان دخول الاردن على الخط يحمل ايضاً معانٍ كبيرة ودلالات لا يمكن تجاهلها. ولكن الموقف الاميركي اساسيّ في هذا السياق، وظهر وكأنه يرد ايران في نصف الطريق حين قال انه لن يشارك في اي رد اسرائيلي مقبل، وكأنه يقدّر الرد الايراني المدروس الذي حرص على عدم اعطاء اي ذريعة لاسرائيل لجرّ الجميع الى حرب اقليمية ودولية تريدها تل ابيب منذ اليوم الاول وتتفاداها واشنطن واوروبا وطهران منذ اليوم الاول ايضاً.
واذا كان من السهل الحكم عسكرياً على فشل الرد الايراني، فإنه من الصعب جداً الحكم بإعلان فائز في هذه الجولة المهمة، من الناحية الدبلوماسية والعسكرية، وعلى ما يبدو، فإن اسرائيل لجأت الى الاسلوب الايراني في اعتماد الحرب النفسية والاعلان عن ان ردها سيكون حتمياً، مع تأكيد الجميع على ان الرد الاسرائيلي، في حال حصوله، لن يكون سبباً ايضاً لتوسيع الحرب واخراجها من اطارها الموضوع منذ تشرين الاول من العام الفائت.